الإنسان هو الإنسان لا يتغير مكنونه بالزمن ،
الذات البشرية بصفتها ذات و روح و نفس ، هي ذاتها منذ بداية الخليقة ، العواطف
المتراكمة وضغط التناقضات في النفس ، من حب و أنانية وغيرة وتسامح ، اللطف والقسوة
ومأساة الضمير ، تلك الأعاصير المحسوسة اللا ملموسة تسكن ومستقرة في أرواح السلالة
البشرية ، تلك التي سطرت ملاحم العشق والتضحية ، والأحزان ودهاليز الظلمة ، تاريخ
البشرية الحافل بين أسطر صفحاته المهترئة يصور وبطريقة مدهشة ثبات الذات البشرية
على ما خلقت عليه ، ربما لهذا السبب التاريخ لا ينقضي ويتم تجاهله بل يستمر السعي
إليه بتحويره أحيانا كثيرة بل وتلفيقه ان اقضت الحاجة ، وهذا ليس بغريب إنها حتمية
المسيرة البشرية المكتظة ، النفس الأنانية قد تفعل ، والمتسلطة كذلك ، المتوسعة في
امتدادها على حساب مجموعات مختلفة من البشر
إن الكلام الذي كثر التبجح به في الآونة
الأخيرة من دعم للعدالة والمحبة إضافة إلى الأحداث المؤسفة والمأساوية التي تعاصر
ذلك الكلام الغاية في اللطف ، إنه الدليل الملموس على ثبات البشرية على طباعها
ذاتها منذ ملايين السنين ، أوليس الأمر شبيه للغاية بتحوير التاريخ وتلفيقه ؟ من يتبجح
بالكلام العادل والمحبة وأفعاله تناقض كلماته الرخيصة ألا يبدو من الطبيعي بالنسبة
له تزوير التاريخ ؟ لجعل مشاهد أحداثه الشريرة تبدو على نقيضها ؟ إن الشيء الوحيد
الذي تحتاجه البشرية في المقام الأول هو الإيمان بفكر ثابت يكون عائقا أمام رغبات
النفس الدنيئة ، عائقا عن الكذب والظلم والقهر ، لا ننكر وجود الفكر الذي ينص على
هذه القيم ولكن مطلبنا هو من يقوم بتطبيقه ؟
ماذا لو حافظ البشر عن الصدق والنزاهة
وابتعدوا عن الكذب والتلفيق ؟ أغلب مآسي العالم لن يكون لها وجود على وجه الكوكب ،
ولكن النفس بجبلتها تحتاج الى الصراع لأنها عبارة عن صراع وتناقض ، فهي بحاجة الى
نقيض لتبرز وتعبر عن مكنونها ربما يكون ذلك ضرورة لاختيار طريقها كذلك ،على كلٍ هذا
افتراض وهمي ، فالشرور تملأ العالم والمقصود بذلك الشرور الممتزجة في أنفس البشرية
التي لم تجد قوة في داخل النفس ذاتها لتواجهها ، فمهمة مواجهة الشر تقع على عاتق
البشري ، ولا يوجد أسوأ من بشري وهب نفسه لنفسه ، وأطاع نفسه وشهواتها ورغباتها ،
لماذا يبدو الأمر مبتذلا ؟ لأن طموح البشري هو الرقي والسمو ، روحه تتوق الى
الأعلى ، تميل بعنقها إلى السماء وتحلم بالطيران إليها بل بتجاوز النجوم اللامعة
المرصعة في أفقها ، لذلك إنه لمن الخيبة أن يتخلى الإنسان عن هذا السمو لينزل إلى
مرتبة سفلى ! رغبات النفس تقودنا الى الأسفل في العادة على عكس الروح ، ربما لأن
الروح لا تنتمي لهذا المكان ، لا تنتمي للأرض ولا تشبعها السماء الدنيا ، ولكن ما
نعرفه عن النفس أن رغباتها هي العائق الأول حتى في الرغبات السامية التي لا تتجاوز
كوكبنا الصغير ، إنها تجذبك نحو الأسفل ، نحو الأنا ، نحو اللحظة الحالية ، إن
سموها صعب ، تضحيتها صعبة ، إنها صعبة ! ولأنها صعبة فالرضوخ لها سهل وطاعتها سهلة
ومرضية بينما نتائج هذه الطاعة لا تكون كذلك في حال من الأحوال ، إن أكبر خطأ
ترتكبه البشرية في نفسها وعالمها هو الرضوخ لهذه النفس ، والبشرية لا تزال تكرر
هذا الخطأ الفادح ، والأكثر ألما من كل هذا أننا نعيش في زمن بفضل حضارته وتقدمه
كان من الممكن أن يكون خاليا من المعاناة والمأساة بفضل ما توصلت له جهود البشرية
ولكن للأسف ورغم كل هذا فعالمنا الحالي مكتظ بالأحزان والظلمة ، كل أبواب الأنوار
التي فتحت بالعلم والصبر والمجاهدة لم تكن كافية لتحرير البشرية من مآسيها ، وكل
هذا بفضل التشبث " بالأسفل " من قبل الإنسان ولذلك فالإنسان أبدا لم
يتغير ، فالسادي الذي كان يعيش في الماضي لا يزال موجودا إلا أنه استبدل الخنجر
والسيف بقنبلة نووية ، ابتكار طرق التعذيب الحديثة في نفس الوقت الذي يطالب فيه
بعض البشر بمنع الإعدام واحترام الجسد ، ابتكار الأمراض المفتعلة ، وسرقة ثروات
الشعوب ثم التقرب منهم من باب آخر بتوزيع صدقات مخجلة إليهم !!
إن العالم يعيش في مهزلة إنسانية ولكن غروره
يمنعه من إدراكها ، للأسف لم يتطور البشر في شيء ، ولا أعتقد أنهم في حاجة إلى
التطور
إنهم في حاجة إلى شيء واحد فقط ، وهو مقاومة
رغباتهم الدنيئة وتحقيق رغباتهم العفيفة وأصوات ضمائرهم ، الانتصار في معركة النفس
، أن يجبر الإنسان نفسه على أن يكون صادقا ونزيها
استطاع الإنسان تحقيق ثروة علمية تكاد توصف بالخيال ولكنه و يا للأسف عجز عن النصر في معركة تناقضات نفسه البشرية ، عجز البشري عن الانتصار عن نفسه ، عجز عن السمو عاليا جدا ، بعيدا جدا عن نجوم الأفق
استطاع الإنسان تحقيق ثروة علمية تكاد توصف بالخيال ولكنه و يا للأسف عجز عن النصر في معركة تناقضات نفسه البشرية ، عجز البشري عن الانتصار عن نفسه ، عجز عن السمو عاليا جدا ، بعيدا جدا عن نجوم الأفق
الآن بمقدرتي أن أفهم ، كمّ الأهمية والحرص
الذي أولاه أهل الزهد عن "الجهاد الأكبر" فالنفس هي العدو الأول ومهمتنا
الأولى في الحياة هي مجاهدتها وعصيانها ، حينها سنكون أكثر سموا ، أكثر حرية ،
وسننقذها هي أيضا من وحشة الظلام التي تصبو لها بكل جهالة ، والأهم من كل ذلك
سنكون أقل حيوانية