نجمتي المتوهجة

نجمتي المتوهجة

Translate

الأحد، 31 مايو 2015

أنا والشمس والقمر

الشمس الملتهبة المتربعة في كبد السماء صاحت بروحي تستنجد ، تتوسل أن أوصل حديثها إلى غريمها القمر ، ذاك القرص الفضي ، المشع بضوئه الهادئ والمنعش ، الملتحف بسواد السماء ، يتدثر حينا بغيوم الليل المتناثرة ، إلى أين أتجه يا سيدة شمس ؟ أين عساي أقترب من قمر السماء ، و أنّى لي بالوصول إلى عليائه ؟!
 بمرارة ، انطلقت ضحكة بائسة من شمس النهار ، أجابتني بحرارة وتوهج ، أو تتعجبين ولا تطمعين بالوصول إليه وأنت في موضعك هذا مني ؟ وما هو إلا جرم يلتمس ضيائي ورفعتي ! 
أخرستني الشمس ، وانغم قلبي حزنا على حالها ، تلك الضحكة المريرة التي ترددت في أرجاء سحب وسماء الدنيا ، أجفلت أوصالي ، وعصرت لبي وانقبضت لها روحي حتى صدحت بأنينها ولم تبالي ، آه يا قلبي ، بماذا ألهمك حديثك مع شمسك ؟ تلك المعطاءة السخية ، ضوء ودفء وخضرة وحياة ، ولكنها باتت لا تكاد تجاري القمر في شهرته ومحبيه ، المنير في غياهب الظلام ، المتربع على عرش المثال في الجمال 
لا تلوميننا يا شمس الضياء ، فالقمر نور لطيف ، أما أنت فوهج مشتعل ، يكاد يحرقنا بلهبه في ظهيرة الرمال ، والقمر يا عزيزتي ضيف خفيف لا يزورنا مكتملا إلا في وقت مقدر ، ويطل علينا هلالا عندما يقدر ، فشوقنا له يزداد ، وبهجتنا ببروزه عيدا لنا و زاد 
صاحت الشمس واشتدت حرارتها ، أتقولين يا بُنَيّة البشر ، أنني الضيفة ذو الإقامة الطويلة ؟ و أن هداياي لكم مرهقة ثقيلة ؟
 ألأنني أجود بعطائي بكل سخاء ولا أدخر جهدا في مد نباتكم بالحياة ؟ 
أجبتها بصوت خجل مستاء ، أوَ صِرتِ تكرهين أمير السماء ؟ من حقك الغيرة والله ، فهو قد أخذ منك وما أعطى 
اهتزت الشمس بزهو وبهاء ، وقد فتر توهجها وصار أكثر ليونة وطراوة ، تجيبني : لا يا عائشة ، والله ما كرهت ذاك الأمير المحبوب ، وما أقدر على نزع حبه من جوفي و ما رضي أن يذوب ، فإنني أذكر قرصه الحزين قبل مده بنوري و وهجي ، كان يدور في فلكه وحيدا ، يعزف من أحزانه صوتا فريدا ، فألفت صوته ومهجته ، فاتجهت ببصري نحوه ، فتوهج وأنار فور أن رآني ، وارتعشت أوصالي من رؤيتي لجماله المتفاني ، يا ويلتاه فقد سُلبت أحشائي ، وأغشاني نوره وأزاح عن ذاتي الحجاب ، فتواريت خلف ضوء نجم بعيد ، استجمع كلماتي ، وعلى البوح أحث لساني ، ولكنه نأى جنبا وقال ، أيا شمس البهر والجمال ، أيا وهج الإشراق ، يا منبع الضياء والنار والأشواق ، حرارتك أبت إذابتي ، ولكنها أضاءت وجهي و أبرزت منارتي ، فأي شكر يليق بالحنون ، وأي معروف يرد لجميل الصنع وروعة المكنون ؟ 
فتزحزحتُ صوبه ، وبرزتُ له بكُلية ذاتي ، أجبته : أي صغيري المنير المتلألئ ، فرؤيتي لجمالك النقي أعظم شكر قدمته ، و ضيائي الذي صيّرك بهي أرفع معروف جزلته ، فلا عليك وانطلق ، أطل على ذاك الكوكب ، ففيه أجرام كثيرة ، وهي رغم ضآلتها تظل كبيرة ، فانطلق نحوهم وأنر لهم لياليهم ، لتزيل عنهم وحشتهم ، في وقت غيابي عن مآقيهم 
وما خاب ظني وما ندمت ، بل ازددت فرحا لرؤيته سعيدا ، يرمق تغزل أهل الأرض فيه ، فتخفف عنه وحدته وما يعانيه ، كلمات البشر اللطيفة ومنصبه الرفيع ، أزاح عنه أحزانه و ألمه المريع ، وما لومي يا عائشة إلا عليكم ، فما لامني البدر يوما بل يظل يحاجج من يؤذيني بقوله ،  من جيراننا أجرام السماء ، فما رأيت وفاءا كوفائه ، ولا جمالا سمى واعتلى كجمال عليائه ، ولست أنسب لنفسي ذاك الجمال ، فلو كان ضوئي قد انعكس على جرم غيره لتغير الحال ، فسبحانه ذي الجلال هو الذي اصطفاه من بين أقرانه 
ابتسمت وقد بهرتني الشمس بمكنونها ، فأجبتها بقولي ، إذا ، يا شمسنا العزيزة فأنت لا تكرهين عشقنا الكبير لأميرنا ، ولا تلوميننا في افتتاننا بروعته وحسنه ، ولكن ما يحزنك ويغضبك منا هو تذمرنا من معروفك الجزيل ، بجهلنا و إفراطنا في طلب التدليل ، ولكنني استيقظت من غفلتي ولن أعود مجددا لهفوتي ، فقدرك في قلوبنا كبير ، ولك على ما تقدمينه من عطاء الشكر الجزيل ، فلك أشعاري وأحرفي ، وروح نسجت لك في سرها نثر طويل ، ولا أنسى معشوقنا الجميل ، قمر السماء البديع المكتمل ، فأزوره و أحدثه بما شئتِ ، وأخبره كذلك بمحبتي وعشقي ...